ملخص
نظراً لأن الحوثيين يتلقون الدعم ليس فقط من إيران، بل أيضاً من شبكات لتوريد السلاح في الصين وروسيا، فسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى توظيف موارد وقدرات أكبر تشمل التواصل الدبلوماسي مع موسكو وبكين، لمنع حصول الحوثيين على معلومات استخباراتية أو إحداثيات من الأقمار الاصطناعية الروسية أو مكونات أسلحة أو معدات عسكرية، كما أشارت تقارير استخباراتية أميركية في الماضي.
مع عشرات الضربات الجوية والبحرية المستمرة ضد الحوثيين في اليمن والتي بدأت السبت الماضي في أضخم عمل عسكري أميركي بالشرق الأوسط منذ تولي دونالد ترمب منصبه، حدد وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث هدف الحملة العسكرية بأنه لوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وضمان حرية الملاحة واستعادة الردع، كما حذر الرئيس الأميركي إيران من دعم الحوثيين، فهل تنجح الضربات الأميركية المكثفة في تحقيق أهدافها؟ وما تأثيرها على المنطقة؟ وإلى ماذا تشير بشأن نهج ترمب تجاه طهران؟
نفاد الصبر
سلطت الهجمات الأميركية المفاجئة والعنيفة ضد المواقع العسكرية الحوثية وبعض قياداتها الضوء على وجهة نظر الإدارة الأميركية بشأن ضرورة منع الحوثيين من تعطيل حرية الملاحة في البحر الأحمر، بما يمثل إشارة مهمة لأصدقاء وخصوم الولايات المتحدة في المنطقة والعالم حول استعداد واشنطن لمواجهة جدية ضد هذه الجماعة المسلحة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة متقدمة.
يعتقد الأميركيون أن بضعة أيام من الضربات لن تنهي هجمات الحوثيين، فالجماعة المسلحة التي بسطت سيطرتها على شمال وغرب اليمن تعلمت الآن شيئاً عن نفاد صبر ترمب، فقد خلص كل مراقب خارجي منذ زمن طويل إلى أن الضربات المحدودة التي شنتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن منذ أن بدأ الحوثيون مهاجمة الملاحة الدولية في البحر الأحمر لم تردع الحوثيين عن مواصلة الضربات عندما يناسبهم ذلك.
بالنسبة للرئيس ترمب الذي يشدد دوماً على مبدأ القوة التي تحقق السلام، فإن معاقبة الحوثيين هو أمر طال انتظاره، بعدما استهدفوا نحو 100 سفينة تجارية وسفن البحرية الأميركية التي تحميها منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023 ما أدى إلى أضرار جسيمة بسفن الشحن في البحر الأحمر التي تحمل بضائع تقدر بتريليون دولار سنوياً، وتعطيل طريق حيوي يمثل أكثر من 15 في المئة من حجم التجارة الدولية، وتقليص حركة الملاحة في قناة السويس والتسبب بخسائر بلغت 6 مليارات دولار على مصر. كذلك أجبرت حملتهم، التي يربطونها بالتضامن مع الفلسطينيين في خضم الحرب بين إسرائيل و"حماس"، شركات الشحن على تغيير مساراتها، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف والتأخير وزيادة معدل التضخم العالمي بنسبة 1 في المئة، بحسب بعض التقديرات الأميركية.
أسباب إضافية
وإضافة إلى ذلك، هددت الهجمات الحوثية باستنزاف الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي يقترب كلفة كل منها من مليوني دولار، كما أنفقت الولايات المتحدة نحو ملياري دولار على حملة دفاعية إلى حد بعيد باستثناء بعض الضربات الأميركية- البريطانية المشتركة التي لم تحدث فعالية تذكر وكانت ضعيفة التأثير بحسب الرئيس ترمب، ولهذا حان الوقت للانتقال إلى الهجوم.
وبينما أوقف الحوثيون، الذين يسيطرون على معظم شمال اليمن، هجماتهم موقتاً في البحر الأحمر مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة خلال يناير (كانون الثاني)، إلا أنهم أعلنوا الأسبوع الماضي أنهم سيستهدفون أي سفن إسرائيلية تنتهك حظرهم على مرور السفن الإسرائيلية عبر البحر الأحمر وبحر العرب وباب المندب وخليج عدن، مما يؤكد قدرتهم على الصمود، ولهذا خلص بعض المحللين العسكريين والمسؤولين الأميركيين السابقين إلى أن شن حملة أكثر صرامة ضد الحوثيين، وبخاصة ضد قياداتهم، ضروري لإضعاف قدرة الجماعة على تهديد الملاحة الدولية.
مؤشر على التوجه الأميركي
كتب ترمب على منصة "تروث سوشيال" أنه أمر الجيش الأميركي بشن عمل عسكري حاسم وقوي ضد الحوثيين في اليمن، واختتم حديثه بالتهديد بأنه إذا لم تتوقف هجمات الحوثيين، "فستمطر عليكم جهنم كما لم تروا من قبل"، وإذا ما نُفذ بيان ترمب، فإنه يوفر مؤشراً واضحاً على التوجه الأميركي في الشرق الأوسط.
ومن المرجح أن الغارات الجوية الأميركية المكثفة التي نُفذت يوم السبت واستكملت الأحد، كانت مدفوعة بأشهر من العمل الاستخباراتي المضني، ووفقاً للمسؤولين في البنتاغون فإنها ليست سوى الهجمات الأولى في سلسلة من الغارات الكثيفة والمتواصلة التي تطمح إلى تحقيق هدف وقف الهجمات على الشحن الدولي والمصالح الأميركية في المنطقة. ولكي تكون الحملة فعالة، يجب أن تكون متواصلة، مع إلحاق الضرر بمواقع القيادة والسيطرة التابعة للحوثيين وقدرتهم على إنتاج وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة، كما يقول الرئيس السابق للأنشطة الحساسة للعمليات الخاصة في مكتب وزير الدفاع الأميركي أليكس بليتساس.
القدرة على الصمود
وفي حين أن الضربات التي تستهدف قواعد الحوثيين وقادتهم ودفاعاتهم الصاروخية قد تؤثر في قدرتهم على العمل بالمدى القصير، فقد أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود في الماضي، وظلوا قادرين على تشكيل تهديد في المنطقة بعد الضربات المتتالية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وإذا كانت مزاعم الحوثيين صحيحة بشأن توجيه ضربة انتقامية بطائرات "درون" وصواريخ باليستية، استهدفت مجموعة حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" في البحر الأحمر، فسيكون هذا دليلاً على محاولتهم إظهار التحدي بشكل سريع، وعدم تأثر قدراتهم من الضربات الأولى، ما يشير لليمنيين الذين يعيشون تحت سيطرتهم، ولداعميهم في طهران، وللمجتمع الدولي الأوسع، أنهم يستطيعون تحمل الألم والاستمرار في التهديد بعد العمليات الأميركية.
وبحسب الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، إميلي ميليكين، فإن الجماعة المسلحة قد تفكر في شن عمليات عسكرية برية في مأرب، التي تعد معقلاً للحكومة اليمنية المتبقية ومركزاً رئيساً لموارد النفط والغاز، لكن ذلك ربما يعرضهم لأخطار أكبر تحت نيران الطائرات الأميركية.
وتنبع قدرة الحوثيين على الصمود من انتشار أسلحتهم عبر تضاريس اليمن الوعرة، مما يعقد جهود الاستهداف، بخاصة بعدما عرقل نقص المعلومات الاستخباراتية ضربات القوات الأميركية، على رغم جهود جمعها المكثفة التي امتدت لأشهر، كما أدت قدرة الجماعة على التكيف عبر إخفاء أصولها العسكرية والاستفادة من دعم إيران، إلى جعل قمعها أمراً صعب المنال.
نتائج مؤجلة
ومع ذلك، من المبكر الحكم على نتائج الغارات الجوية والبحرية الأميركية، إذ إن الفرق بين هذه الهجمات وتلك التي وقعت في الماضي، هو أن هجمات يومي السبت والأحد ترمي إلى استهداف قيادة الحوثيين بصورة مباشرة.
وعلى رغم أن الهجمات نفسها قد لا تُسفر عن نتائج في الوقت الحالي، إلا أنها تُرسل رسالة ردع قوية من الولايات المتحدة إلى قيادة الحوثيين، وإن كانت ستستغرق وقتاً لإظهار فعاليتها، ولمعرفة ما إذا كان قرار ترمب تصعيد الهجمات سيكشف عما إذا كانت الضربات الكثيفة والدقيقة والمتواصلة والأكثر إيلاماً، ستوقف هجمات الحوثيين.
ويتمثل الخطر الأكبر في أن أي قدر من الدمار، لن يحقق ما تريده إدارة ترمب باستثناء استهداف قيادة الحوثيين وقدراتهم العسكرية، وفقاً للخبير في مبادرة "سكوكروفت" لأمن الشرق الأوسط توماس واريك، ولهذا ربما لن تُنهي بضعة أيام من الضربات هجمات الحوثيين إلا إذا كانت إدارة ترمب مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك.
متطلبات أوسع
ونظراً لأن الحوثيين يتلقون الدعم ليس فقط من إيران، بل أيضاً من شبكات لتوريد السلاح في الصين وروسيا، فسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى توظيف موارد وقدرات أكبر تشمل التواصل الدبلوماسي مع موسكو وبكين، لمنع حصول الحوثيين على معلومات استخباراتية أو إحداثيات من الأقمار الاصطناعية الروسية أو مكونات أسلحة أو معدات عسكرية، كما أشارت تقارير استخباراتية أميركية في الماضي.
كذلك سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى قدرات بحرية إضافية لمنع إعادة إمداد الحوثيين، وضغط فعال على إيران، وينبغي أن تكون هذه الموارد كبيرة من حيث القدرات العسكرية والتنسيق الدولي، وستتضح في الأيام والأسابيع المقبلة علامات حول مدى جدية النيات الأميركية لبذل المزيد من الجهود مقارنة بالماضي. وإذا نجحت الولايات المتحدة في الحصول على قدر واسع من الالتزام، الذي يفوق ضربات يوم السبت، فسوف يبعث ذلك برسالة أميركية جدية تجاه إيران والمنطقة، وفق ما يشير عضو مجلس الأمن القومي الأميركي السابق دانيال موتون.
نهج تحالفي
غير أن المسؤول البارز السابق في مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية أندرو بورين، يرى أن هناك حاجة إلى نهج تحالفي أكثر شمولاً حيث يمكن أن تكون مكافحة الإرهاب قوة توحيد قوية، ففي الوقت الذي تواجه فيه بعض التحالفات العسكرية تحديات في أماكن أخرى، قد يكون هذا أحد المجالات التي يُمكن للولايات المتحدة والقوى الأوروبية وحلفاء آخرين في المنطقة التعاون بشكل أكثر حزماً من أجل الاتفاق على الإجراءات اللازمة لإضعاف دور إيران، الذي استمر لعقود كدولة رائدة في رعاية الإرهاب في العالم، بحسب المنظور الأميركي.
ووفقاً لهذه الرؤية، فإن فهم التاريخ الكامن وراء هذه التوترات أمر أساسي لفهم الحاضر وما قد يأتي لاحقاً، حيث يشير التاريخ إلى أنه من دون نهج تحالفيٍ أكثر شمولاً للتعامل مع العلاقة بين الحوثيين وإيران، لن تكفي الغارات الجوية وحدها لطرد الحوثيين من اليمن أو استعادة الاستقرار في أحد أهم طرق التجارة في العالم. فقد سيطر الحوثيون، وهم حركة سياسية ودينية مسلحة، على أجزاء كبيرة من غرب اليمن منذ عام 2015، وعلى رغم أعوام من الغارات الجوية وبعض الهجمات البرية، والتي عززتها ضربات أميركية وبريطانية مستهدفة رداً على هجمات العام الماضي على السفن التجارية، لا يزال الحوثيون مُتحصنين، ولم تكن الضربات الجوية وحدها كافيةً لطردهم، إذ تكيفوا مع تكتيكات غير متكافئة، ودفاعات مُحصنة، والأهم من ذلك، دعم مستمر من إيران.
مواجهة إيران
كان الدعم الإيراني محورياً لعمليات الحوثيين الذين وضعوا أنفسهم ضمن "محور المقاومة" الإيراني، إلى جانب "حزب الله" اللبناني و"حماس" و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، ومن دون الأسلحة والتدريب والاستخبارات الإيرانية المباشرة، لما كان من الممكن صمودهم في ساحة المعركة وقدرتهم على استهداف الشحن التجاري بدقة.
ولهذا من المهم إدراك أن الحوثيين وهم أقوى وكلاء إيران المتبقين، قد يُكيفون تكتيكاتهم الآن. ومن خلال استهدافهم بعملية واسعة النطاق، تُرسل إدارة ترمب رسالة إلى النظام الإيراني مفادها بأنه لن يُسمح له بعد الآن إثارة الإرهاب من دون عقاب، بحسب محللة الأبحاث في المجلس الأطلسي بريدجيت تومي، وربما لهذا السبب، سارع الحرس الثوري الإيراني إلى الرد بالنأي بنفسه عن تصرفات الحوثيين، مشيراً إلى إدراكه أن هذه الضربات بمثابة تحذير لطهران.
لكن من وجهة نظر الصقور في اليمين الأميركي وفي دوائر صنع القرار السياسي حول الرئيس ترمب، يتطلب إكمال هذا الجهد بشكل كامل توجيه ضربات أكثر تحدياً ضد رعاة الجماعة الحوثية في إيران، حيث يتعين على الولايات المتحدة محاسبة طهران على دعمها للحوثيين، وهذا يعني شن هجمات أميركية على سفن التجسس الإيرانية وخطوط الإمداد التي تُمكن الحوثيين من شن هجمات، بحسب ما يشير كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك مونتغمري.
ومع ذلك، قاوم الرئيس دونالد ترمب ضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل شن عملية عسكرية أميركية- إسرائيلية مشتركة لتدمير منشآت إيران النووية، كما لم يستجب ترمب حتى الآن لنصائح بعض مساعدي الأمن القومي في البيت الأبيض لشن حملة عسكرية أكثر عدوانية من شأنها أن تؤدي إلى فقدان الحوثيين السيطرة على أجزاء كبيرة من شمال اليمن، وفضل ترمب بدلاً من ذلك، التريث خوفاً من توريط الولايات المتحدة في صراع بالشرق الأوسط طالما تعهد بتجنبه خلال حملاته الانتخابية الرئاسية عام 2024.