Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

"رعب الساحل" يجتاح شمال أفريقيا بعد تقارب "القاعدة" والأزواد

مخاوف من فوضى أمنية واسعة وحرب بالوكالة في المنطقة المنكوبة بتجارة البشر والمخدرات والسلاح والإرهاب

بعض الأطراف تحاول استغلال الوضع الأمني الهش في الساحل لتبرير تدخلات خارجية أو فرض أجندات معينة (مواقع التواصل)

ملخص

يبدو أن الوضع في منطقة الساحل يتجه نحو صدام عنيف بين أطراف محلية عدة ممثلة في الجيوش الحكومية والتنظيمات الإرهابية والمنظمات الانفصالية والعرقية إلى جانب شبكات الجريمة المنظمة، وكل كيان وراءه أطراف تدعمه سواء إقليمية أو دولية، ما يجعلها ساحة مرتقبة لمعركة بين القوى الكبرى.

تتخوف دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء من انهيار أمني واسع في منطقة الساحل بعد التقارب بين "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" و"جبهة تحرير أزواد" التي تخوض مواجهة مع الجيش المالي المدعوم من قوات "فاغنر" الروسية، مما ينذر بإثارة الفوضى في منطقة تنشط فيها أساساً تجارة البشر وتهريب المخدرات والسلاح والإرهاب وحركات الانفصال.

وذكرت شبكة "فرانس 24" أن ممثلين عن "جبهة تحرير أزواد" المتمردة شمال مالي اجتمعوا مع آخرين من "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المصنفة إرهابية، وجرت مناقشة ملفات وقضايا عدة تصب في اتجاه عقد تحالف أو تنسيق يتعلق بمواضيع محددة.

وأضافت أن النقاشات قد تحدد صياغة العلاقة بين الطرفين، ولا سيما أن الوساطة قادتها شخصيات دينية وقضائية من المنطقة، مبرزة أن إيجاد إطار تعاون يحافظ على المصالح المشتركة مع الالتزام بتحكيم الشريعة الإسلامية وفق منظور "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، والاحتفاظ بالمطالب التحررية بحسب مبادئ فصائل "تحرير الأزواد"، كان أهم هدف للقاءات.

أخطاء الماضي

المتحدث باسم "جبهة تحرير أزواد" محمد مولود رمضان، أكد في تصريحات صحافية محلية وجود هذه المبادرة التي يقودها أعيان ونافذون تقليديون، وقال إن "الهدف منها وضع آلية للتفاهم بين الطرفين اللذين ينشطان في المنطقة نفسها"، مؤكداً ضرورة تفادي تكرار سيناريو 2012 حين سيطرت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" على مدن شمال مالي ودخلت في معارك عنيفة مع تنظيم "القاعدة".

وأوضح رمضان أن هذه المبادرة تأتي في وقت أصبحت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" مكونة من أبناء أزواد، مشدداً على أن "التحالف ليس هو الأولوية وإنما وضع آلية للتفاهم من أجل تفادي أي صدام في المستقبل".

ويرى أستاذ القانون الدولي آدم مقراني أن التقارب بين تنظيم "القاعدة" في الساحل الصحراوي و"جبهة تحرير أزواد" يثير قلقاً متزايداً بين دول الجوار، حيث يُنذر بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع بين قوى متنافسة تسعى إلى السيطرة على الموارد والثروات، مضيفاً لـ "اندبندنت عربية" أن "هذا التحالف المحتمل ينبع من مصالح مشتركة، إذ تسعى الجبهة إلى تحقيق استقلال إقليم أزواد بينما يهدف التنظيم الإرهابي إلى توسيع نفوذه داخل المنطقة، وبالتالي فقد يتعاون الطرفان تكتيكياً لتعزيز مواقعهما ضد الحكومة المركزية في باماكو".

 

ويتابع مقراني أن "هذا التحالف يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الدول المجاورة وبخاصة الجزائر التي تعتبر أمن منطقة الساحل جزءاً من أمنها القومي"، مشيراً إلى أن الجزائر لعبت دور الوسيط في اتفاقات السلام السابقة بين الحكومة المالية وحركات الأزواد، وتجد نفسها الآن أمام تحديات أمنية متزايدة على حدودها الجنوبية.

وحذر أستاذ القانون الدولي من أن يؤدي هذا التحالف إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في دول مثل النيجر وبوركينا فاسو، حيث تنشط جماعات متطرفة تسعى إلى استغلال الفراغ الأمني لتحقيق مكاسب، موضحاً أن التنافس الدولي على النفوذ في منطقة الساحل يزيد تعقيد المشهد، فمع تراجع الدور الفرنسي وتصاعد النفوذ الروسي تسعى قوى دولية إلى تعزيز وجودها مما قد يؤدي إلى صراعات بالوكالة تزيد حدة التوترات وتجعل منطقة الساحل ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.

وواصل أن الوضع الراهن يتطلب استجابة إقليمية ودولية متوازنة تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات المشهد السياسي والأمني في منطقة الساحل، مؤكداً أن "الوقت حان لتعزيز التعاون بين دول المنطقة لمواجهة التهديدات المشتركة والعمل على تحقيق تنمية شاملة تلبي تطلعات السكان المحليين وتحد من انجرافهم نحو التطرف".

3 سيناريوهات محتملة

وعلى رغم اختلاف أهداف كل كيان من الاثنين فإنهما يلتقيان في نقطة واحدة وهي مواجهة السلطات المالية ومن يدعمها من قوات أجنبية، وعلى رأسها روسيا عبر عناصر "فاغنر"، مما يجعل تقاربهما موقتاً ولكنه يهدد المنطقة بفوضى أمنية عارمة في ظل معركة النفوذ الحاصلة بين "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لـ "القاعدة" وفرع تنظيم "داعش" الذي يرى في ذلك التقارب عائقاً يعمل ضد مصالحه.

ويخوض الطرفان حرباً ضروساً ضد الجيش المالي، ووقعت أعنف المواجهات على الحدود مع الجزائر أواخر يوليو (تموز) الماضي، وقالت "جبهة تحرير أزواد" إنها قادت المعارك المسلحة، بينما أعلنت "نصرة الإسلام والمسلمين" أن مقاتليها شاركوا في المواجهات.

الصحافي المالي المتخصص في شؤون الساحل حسين أغ عيسى، يضع ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل التقارب بين الطرفين، أولها استمرار الجمود حيث يبقى الوضع على حاله على رغم الارتباط بين الطرفين، مما يعني بقاء الفصائل ضمن المظلة الإسلامية من دون دخول مباشر للمشهد الاستقلالي السياسي، أما الثاني فيتمثل في انشقاق جزئي فقد تسلك بعض الفصائل مثل "أنصار الدين" و"كتائب ماسينا" المحليتين مساراً مشابهاً بإعلان فك الارتباط مع محاولة الحفاظ على علاقات غير مباشرة مع "القاعدة"، أما السيناريو الثالث الذي تتخوف منه دول المنطقة فهو الصدام إذا فشلت المفاوضات، إذ تسعى "القاعدة" إلى منع أية محاولة للخروج عن سيطرتها، بينما تسعى الحركات الأزوادية إلى التمسك بمشروعها المحلي.

لا تحالف إستراتيجياً

من جانبه يعتقد الباحث في الشؤون الجيوسياسية الجزائري أحمد ميزاب أن منطقة الساحل تتجه نحو مزيد من الفوضى مع احتمالات عالية للصراع بين القوى الكبرى، وبخاصة في إطار تزايد نفوذ روسيا وتراجع الهيمنة الفرنسية، ولا سيما أن دول المنطقة أمام سؤال بارز يطرح نفسه بقوة حول قدرتها على فرض حلول محلية، أم أنها ستنجر إلى حرب بالوكالة طويلة الأمد، مشدداً على أنه لا توجد علاقة أو تحالف إستراتيجي بين "القاعدة" والحركات الأزوادية على رغم محاولة بعضهم رسم صورة بأن هناك تقاطعات ميدانية خلال فترات معينة، وبالتالي "يجب أن نتوقف في إطار رفع اللبس حول الغرض من الترويج للعلاقة بين الطرفين".

وأضاف ميزاب لـ "اندبندنت عربية" أن بعض الأطراف تحاول استغلال الوضع الأمني الهش في الساحل لتبرير تدخلات خارجية أو فرض أجندات سياسية معينة، مؤكداً أن "الحكومة المالية أو الدول الإقليمية تروج لهذا الربط لإضعاف شرعية الحركات الأزوادية وإظهارها كجزء من الإرهاب العابر للحدود، أما إعلامياً فللأسف هناك خلط متعمد بين الجماعات الإرهابية مثل 'نصرة الإسلام والمسلمين' التي هي أحد فروع 'القاعدة' والحركات الأزوادية، ولكن هناك فارقاً كبيراً بينهما، وهذا التحرك ممنهج ويهدف إلى خلط المصطلحات لأغراض سياسية، ومن هنا يجب أن نبحث عن الهدف من وراء هذه السردية التي تربط بين الكيانين".

وشدد ميزاب على أن "الأمر يتعلق بإعطاء مبرر ضد مطالب حركات الأزواد وتصويرها كتنظيمات مرتبطة بالإرهاب، وكذا تهيئة الرأي العام للتدخلات الأجنبية تحت غطاء محاربة التطرف والتأثير في المواقف التي تلعب دور الوسيط بين الأزواد والحكومة المالية، وبالتالي فهي محاولة لبعثرة الأوراق الموجودة في المنطقة"، مؤكداً أن الترويج لعلاقة بين "القاعدة" والأزواد "جزء من لعبة جيوسياسية".

نحو الصدام

يبدو أن الوضع في منطقة الساحل يتجه نحو صدام عنيف بين أطراف محلية عدة ممثلة في الجيوش الحكومية والتنظيمات الإرهابية والمنظمات الانفصالية والعرقية، إضافة إلى شبكات الجريمة المنظمة، وكل كيان وراءه أطراف إقليمية أو دولية تدعمه، مما يجعلها ساحة مرتقبة لمعركة بين القوى الكبرى ممثلة في مستعمر الأمس مثل فرنسا التي ترى أن المنطقة ميدانها التقليدي، والدول الجديدة التي غيرت إستراتيجياتها الخارجية مثل الصين وروسيا وتركيا، وأخيراً أميركا التي أبانت أهدافها منذ قدوم الرئيس دونالد ترمب إلى "البيت الأبيض".

صحيفة "إلباييس" الإسبانية قالت إن الصراع في منطقة الساحل يزداد تعقيداً في ضوء مؤشرات واضحة على تحوله إلى جبهة صدام بين روسيا وأوكرانيا، مشيرة إلى تأكيد الاستخبارات الأوكرانية مساعدتها عناصر الأزواد في نصب كمين لقوات مالية مدعومة بمجموعة "فاغنر"، وموضحة في تقرير لها بعنوان "الدعم الأوكراني للمتمردين الطوارق في معركتهم ضد 'فاغنر' يعقد النزاع في الساحل"، أن المتحدث باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية آندريه يوسوف أكد أن الأزواد تلقوا من كييف معلومات ضرورية وعوناً يتعدى المعلومات لنصب كمينهم ضد مقاتلي "فاغنر".

 

وأبرزت الصحيفة أن ما يؤكد الدعم هو احتفال سفير أوكرانيا لدى السنغال على شبكات التواصل الاجتماعي بالهجوم، مما أثار غضب داكار وحتى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي أصدرت بياناً يحذر من أي تدخل أجنبي في المنطقة قد يهدد السلام والأمن ويجرها إلى صراعات جيوسياسية.

وتابعت أن أوكرانيا تبذل جهوداً مضنية لمحاصرة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا، كما تشير أربع جولات قادت وزير خارجيتها ديميترو كوليبا إلى دول القارة لـ "تحريرها من روسيا"، موضحة أن أفريقيا لا تزال تتذكر كيف نقلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حربهما الباردة إليها لتتجلى في نزاعات داخل الصومال وأنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغيرها.

هجمات إرهابية

وجاء في تقرير صدر منذ أسبوع عن مؤشر الإرهاب العالمي أن أكثر من نصف ضحايا الإرهاب عالمياً خلال عام 2024 سقطوا في بلدان الساحل، كما صنف التقرير، وللعام الثاني على التوالي، المنطقة ضمن الأخطر في العالم وأشدها تضرراً من الإرهاب، مشيراً إلى أن الأرقام تؤكد سقوط 3885 قتيلاً في هجمات إرهابية وقعت خلال العام الماضي بدول الساحل بنسبة 51 في المئة من الضحايا حول العالم.

وأوضح التقرير أن دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو تعد أكبر دول الساحل تضرراً من الإرهاب، حيث تنتشر فيها جماعات مسلحة بعضها يتبع تنظيم "القاعدة" فيما يتبع بعضها الآخر تنظيم "داعش".

وربط التقرير تحول منطقة الساحل الأفريقي إلى بؤرة للإرهاب العالمي بوجود جماعتين رئيستين، الأولى "نصرة الإسلام والمسلمين" وتتمركز في دولة مالي ولكنها تسيطر على مناطق من النيجر وبوركينا فاسو، وبدأت تتوسع أخيراً في دول غرب أفريقيا، والجماعة الثانية هي تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى الذي يتمركز بصورة أساس في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولكنه يسعى إلى التوسع نحو مناطق جديدة.

وفي جانب آخر صدر تقرير جديد عن "معهد دراسات الحرب الأميركي" يتحدث عن العلاقة بين الإرهاب والتهريب، وكيف تسهم شبكات التهريب في مفاقمة خطر الإرهاب على منطقة الساحل الأفريقي، إذ قال إن تنظيمي "القاعدة" و"داعش" يرتبطان بعلاقات قوية عبر شبكات تنشط في التهريب على مستوى الصحراء الكبرى، مرجحاً أنه على رغم الصراع العنيف على النفوذ لكنها يتعاونان على الأرجح مع فاعلين محليين في منطقة الساحل والصحراء من أجل توسيع عملياتهما في المنطقة ودعم الهجمات الموجهة ضد الجيوش النظامية، وخصوصاً في النيجر ومالي.

المزيد من تقارير