Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

الصين تؤجج صراع النفوذ على أفريقيا بـ"سكة الحرية"

طول المشروع 1800 كيلومتراً ويربط زامبيا بتنزانيا في خضم تنافس محموم بين بكين وواشنطن على معادن القارة الثمينة

تسعى الصين من وراء سكة الحرية وقطارها إلى نقل المعادن الثمينة من دول مثل زمبيا وتنزانيا وكينيا (رويترز)

ملخص

يبلغ طول "سكة الحرية" 1800 كيلومتراً، وتديره هيئة السكك الحديدية المشتركة بين تنزانيا وزامبيا

تعكف الصين على إعادة إحياء مشروع "سكة الحرية" الذي يربط زامبيا بتنزانيا، وهما دولتان غنيتان بالنحاس وغيره من المعادن، في خطوة من المحتمل أن تقود إلى احتدام التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية.

يبلغ طول "سكة الحرية" 1800 كيلومتراً، وتديره هيئة السكك الحديدية المشتركة بين تنزانيا وزامبيا، والتي يطلق عليها اختصاراً "تازارا"، ويأتي إحياء المشروع في خضم تنافس محموم على النفوذ في القارة السمراء ومعادنها الثمينة.

وتسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إعطاء زخم جديد لمشروع ممر "لوبيتو" وهو عبارة عن سكة حديدية بطول 1300 كيلومتراً تعبر أنغولا إلى زامبيا فالكونغو الديمقراطية ليصل الطريق إلى المحيط الهادئ عبر تنزانيا.

مشاريع ضخمة ومكاسب

وتم تدشين مشروع "سكة الحرية" الصيني منذ نحو 4 عقود، وتحديداً في عهد ماو تسي تونغ، لكنه ظل يراوح مكانه لتعيده الآن بكين إلى أولوياتها سعياً منها لمزاحمة قوى أخرى تتسابق على النفوذ في القارة السمراء على غرار روسيا وتركيا اللتين تحاولان استغلال الانتكاسة التي تتعرض إليها فرنسا في المنطقة.

واضطرت باريس إلى سحب قواتها من دول على غرار بوركينا فاسو والنيجر ومالي والسنغال، وأيضاً التخلي عن عديد من المشاريع مع تصاعد مشاعر المُعاداة إزاء حضورها، مما أطلق العنان لتنافس محموم على مواقعها السابقة.

 

وقال الباحث السياسي محمد تورشين، إن "المشاريع التي تطلقها الصين في أفريقيا ضخمة، وعادة ما ترتبط بمشروع "الحزام والطريق" الذي تراهن عليه الصين بشكل كبير لإيصال منتجاتها وتأطير وتأسيس تعاون بينها والقارة الإفريقية بشكل إستراتيجي وبعيد كل البعد من أشكال الاستغلال".

وأوضح تورشين لـ "اندبندنت عربية" أن "سكة الحرية" سيدعم مشروع الصين ومبادرة "الحزام والطريق"، وسيعزز فرص الاكتشاف والبحث عن استثمارات الصينية في عديد من الدول الأفريقية، خصوصاً أن بكين مهتمة بالمواد الأولية والخام.

وشدد على أن "الصين استطاعت من خلال شراكتها مع أفريقيا تحقيق كثيراً من المكاسب من خلال تأسيس علاقات جيدة والإسهام في إنشاء البنية التحتية في القارة، وكذلك تأسيس نماذج للتنمية في عديد من الدول مثل كينيا وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية".

وتأتي الالتفاتة نحو هذا المشروع في خضم اهتمام أميركي كبير بمشروع توسيع ممر "لوبيتو"، وهو اهتمام عكسته بشكل واضح زيارة الرئيس السابق جو بايدن، إلى أنغولا وتفقده لهذا الممر.

وجه جديد للصراع

والاهتمام الصيني بأفريقيا ليس وليد اللحظة، إذ دفعت بكين باستثمارات ضخمة في هذه القارة، ومنحت عديداً من دولها قروضاً ميسرة، لكنها واجهت انتقادات تجاه سياساتها تلك، وجدلاً بين من يرى أنها بديل عن القوى الغربية، ومن يؤكد أنها تكرس سياسات ترمي إلى الهيمنة هي الأخرى.

بخلاف الدول الغربية التي حصرت تدخلها في إفريقيا في المجال العسكري والأمني وبعض المساعدات الإنسانية، ركزت الصين طوال العقود الماضية على تحديث البنى التحتية وغيرها في القارة التي تعاني اضطرابات وأزمات تكاد تكون مزمنة.

 

الباحثة السياسية المتخصصة في الشؤون الأفريقية ميساء نواف عبد الخالق، اعتبرت أن مشاريع "سكة الحرية" وأيضاً ممر "لوبيتو" في الظاهر لهما أهداف تنموية في أفريقيا، لكنهما في العمق يعكسان توجه واشنطن وبكين للهيمنة على ثروات ومعادن القارة.

وبينت عبد الخالق، أن "كلا القوتين يسعى الآن إلى العودة بقوة للمنطقة، خصوصاً بعد انسحاب فرنسا بناء على رفض الشعوب لباريس وتنامي مشاعر المعاداة تجاهها، ما يشكل وجهاً جديداً من أوجه الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في أفريقيا، وعلى ما يبدو فإن المنافسة حامية الوطيس بين الطرفين في القارة الآن".

وأردفت أن "الولايات المتحدة والصين تسعيان إلى الحفاظ على مصالحهما، وأتوقع أن يحتدم التنافس بينهما أكثر فأكثر عبر القوة الناعمة بالأساس، لأنه لن يكون هناك صراع عسكري بين الطرفين على الأرض الأفريقية، لكنه تسابق على المصالح".

اهتمامات متفاوتة

تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، اتخذت قراراً يقضي بمنح مشروع توسيع ممر "لوبيتو" قرضاً بنحو 553 مليون دولار سيتم تقديمها عبر مؤسسة التمويل والتنمية الدولية. وقد أنشِئت مؤسسة التمويل والتنمية الدولية كرد أميركي على سياسة البنوك الحكومية الصينية، خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى (2016 – 2020).

وتسعى الولايات المتحدة إلى نقل موارد زامبيا ومعادنها مثل النحاس والكوبالت وغيرهما عبر ممر "لوبيتو"، ما يعكس حاجة واشنطن لهذه المعادن من أجل استخدامها في الصناعات التكنولوجية المتطورة.

لا يعتقد الباحث السياسي محمد تورشين، أن لدى الولايات المتحدة اهتماماً مماثلاً للصين في إفريقيا، لأن "واشنطن تركز على المعادن النادرة كالكوبالت، وهي معادن تدخل في صناعة التكنولوجيا وغيرها باعتبار أن هذه الصناعات النادرة هي صناعات مهمة جداً، والولايات المتحدة تعاني من نقص كبير فيها جراء عقوبات بكين، بالتالي هي في حاجة للحصول على هذه المعادن من القارة الإفريقية".

واعتبر أن "اهتمام الولايات المتحدة بالكونغو على سبيل المثال يندرج في هذا الإطار، بما أن كينشاسا لديها معادن نادرة وثمينة مثل الكوبالت"، موضحاً "لذلك لا يوجد صراع مباشر الآن، لكن في اعتقادي سيكون هناك صراع مباشر في المستقبل على المعادن في أفريقيا بين الصين والولايات المتحدة، لأن كل طرف يسعى لترسيخ تواجده الآن عبر الأدوات التي يراها مناسبة".

لا صعوبات محتملة

وتأتي هذه التطورات في وقت تواجه الدول الأفريقية أزمات اقتصادية وأمنية متصاعدة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيعيق المشاريع التي تطلقها الصين والولايات المتحدة الأميركية.

لا تعتقد المتخصصة في الشؤون الأفريقية ميساء عبد الخالق، أن هذه المشاريع قد تواجه صعوبات أمنية، "لكن المنافسة ستكون قوية بين العملاقين الأميركي والصيني، والتفوق سيكون لمن يُرسي الاتفاقيات ويتخذ الإجراءات اللازمة بالسرعة المرجوة مع الجانب الأفريقي".

المزيد من تقارير